وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أَدَّى مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَ الْوَاجِبِ فِي الصِّفَةِ، فَأَدَّى عَنْ الْجَيِّدِ رَدِيًّا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ :( لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْفَضْلِ ).
وَقَالَ مُحَمَّدٌ :( عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ الَّذِي بَيْنَهُمَا ).
وَقَالُوا جَمِيعًا فِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَجَمِيعِ الصَّدَقَاتِ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ :( إنَّ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْفَضْلِ ).
فَيَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ لِمُحَمَّدٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّدِيءُ مِنْهُ ؛ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ لَا يُغْمِضَ فِيهِ وَلَا يَتَسَاهَلَ وَيُطَالِبَ بِحَقِّهِ مِنْ الْجَوْدَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَدَاءَ الْفَضْلِ حَتَّى لَا يَقَعُ فِيهِ إغْمَاضٌ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ نَفَى الْإِغْمَاضَ فِي الصَّدَقَةِ بِنَهْيِهِ عَنْ إعْطَاءِ الرَّدِيءِ فِيهَا.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو يُوسُف فَإِنَّهُمَا قَالَا :( كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَإِنَّ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ حُكْمُهُمَا سَوَاءٌ فِي حَظْرِ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِثْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى دَيْنًا عَلَى أَنَّهُ جَيِّدٌ فَأَنْفَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ رَدِيئًا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِشَيْءٍ وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ لَا يَغْرَمُهُ ؟ ) وَإِنَّمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ ( إنَّهُ يَغْرَمُ مِثْلَ مَا قَبَضَ مِنْ الْغَرِيمِ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ ) وَغَيْرُ مُمْكِنٍ مِثْلُهُ فِي الصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا، فَلَوْ غَرِمَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُتَصَدِّقِ بِرَدِّ الْجَيِّدِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْطَاءُ الْفَضْلِ.
وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَصَدِّقَ عَنْ قَصْدِ الرَّدِيءِ بِالْإِخْرَاجِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْجَيِّدِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ


الصفحة التالية
Icon