وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِ فَرْضِ الزَّكَاةِ وَمِنْ أَدَائِهَا، فَانْتَظَمُوا بِهِ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ كُفْرٌ، وَالْآخَرُ : الِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ إلَى الْإِمَامِ فَكَانَ قِتَالُهُ إيَّاهُمْ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَلِذَلِكَ قَالَ :( لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا ) وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ :( عِنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلَتْهُمْ عَلَيْهِ ).
فَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا مُمْتَنِعِينَ مِنْ قَبُولِ فَرْضِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ سَمَّوْهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَهَذِهِ السِّمَةُ لَازِمَةٌ لَهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَكَانُوا سَبَوْا نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ لَمَا سَارَ فِيهِمْ هَذِهِ السِّيرَةَ وَذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ.
الصَّدْرُ الْأَوَّلُ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَعْنِي فِي أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَانُوا أَهْلَ رِدَّةٍ.
فَالْمُقِيمُ عَلَى أَكْلِ الرِّبَا إنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا بِجَمَاعَةٍ تُعَضِّدُهُ سَارَ فِيهِمْ الْإِمَامُ بِسِيرَتِهِ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ إنْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَإِنْ اعْتَرَفُوا بِتَحْرِيمِهِ وَفَعَلُوهُ غَيْرَ مُسْتَحِلِّينَ لَهُ قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ إنْ كَانُوا مُمْتَنِعِينَ حَتَّى يَتُوبُوا، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُمْتَنِعِينَ رَدَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ حَتَّى يَنْتَهُوا.
وَقَدْ رُوِيَ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ وَكَانُوا ذِمَّةً نَصَارَى : إمَّا أَنْ تَذَرُوا الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَيُّوبُ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَلِيحٍ الْهُذَلِيِّ :{