النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } قِيلَ لَهُ : هُوَ أَوْلَى بِهِمْ فِيمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ اتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، فَأَمَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهَا حِينَ قَالَتْ لَهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدٌ ( وَمَا عَلَيْك مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَنَا أَوْلَى بِك مِنْهُمْ ) بَلْ قَالَ :( مَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يَكْرَهُنِي ) ؟ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا لَهُنَّ فِي النِّكَاحِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا وَجَبَ جَوَازُ عَقْدِ نِكَاحِهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الرَّجُلِ مَا وَصَفْنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مَجْنُونًا غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهُ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا وَصَفْنَا.
وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ ابْنِ أُبَيٍّ أَخِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَعْقِلٍ :﴿ أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَبَى عَلَيْهَا مَعْقِلٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :{ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾ }.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا هَذِهِ الْقِصَّةُ، وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهَا، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا مَعْقِلًا وَأَمَرَهُ بِتَزْوِيجِهَا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ النَّقْلِ، لِمَا فِي سَنَدِهِ مِنْ الرَّجُلِ الْمَجْهُولِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ سِمَاكٌ.
وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَنْفِ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ عَقْدِهَا، مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَعْقِلًا فَعَلَ ذَلِكَ فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الْعَضْلِ.
فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطَابًا لِلْأَزْوَاجِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :{ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ