لِوَلِيِّ الْحَقِّ أَنْ يُمْلِيَهُ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ السَّفِيهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ بِالْمُدَايَنَةِ، وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمَا جَازَتْ مُدَايَنَتُهُ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِبَيْعٍ أَوْ شِرًى، فَأَمَّا وَلِيُّهُ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يُجِيزُ تَصَرُّفَ أَوْلِيَائِهِ عَلَيْهِ وَلَا إقْرَارَهُمْ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ وَلِيَّ السَّفِيهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ وَلِيَّ الدَّيْنِ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ أَيْضًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ أَوْ ضَعِيفًا ﴾ فَقَدْ قِيلَ فِيهِ الضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ أَوْ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْآيَةِ قَدْ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ جَائِزَ الْمُدَايَنَةِ وَالتَّصَرُّفِ فَأَجَازَ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، فَلَمَّا بَلَغَ إلَى حَالِ إمْلَاءِ الْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ ذَكَرَ مَنْ لَا يَكْمُلْ لِذَلِكَ إمَّا لِجَهْلٍ بِالشُّرُوطِ أَوْ لِضَعْفِ عَقْلٍ لَا يُحْسِنُ مَعَهُ الْإِمْلَاءَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانُ عَقْلِهِ حَجْرًا عَلَيْهِ، وَإِمَّا لِصِغَرٍ أَوْ لِحَرْفٍ وَكِبَرِ سِنٍّ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ ضَعِيفًا ﴾ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَيَنْتَظِمُهُمَا.
وَذَكَرَ مَعَهُمَا مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ إمَّا لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ انْفَلَتَ لِسَانُهُ عَنْ الْإِمْلَاءِ أَوْ لِخَرَسٍ ؛ ذَلِكَ كُلُّهُ مُحْتَمَلٌ.
وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْوُجُوهُ مُرَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَلْحَقُهُ اسْمُ السَّفِيهِ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إثْبَاتِ الْحَجْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ


الصفحة التالية
Icon