صَحِيحٌ فِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُهُ فِيهِ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاحِدٍ، وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ :( إنَّهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِنَّ الْمَالَ لَا يُدْفَعُ إلَى الْبَالِغِ الَّذِي لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ إلَّا بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ) فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي طَرِيقُ إثْبَاتِ الْمَقَادِيرِ فِيهَا الِاجْتِهَادُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَةٍ يَغْلِبُ مَعَهَا فِي النَّفْسِ اعْتِبَارُ هَذَا الْمِقْدَارِ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَمَا الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ اعْتِبَارَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ دُونَ سَنَةٍ تَامَّةٍ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ ؟ قِيلَ لَهُ : أَحَدُ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ :﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ ثُمَّ قَالَ :﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ فَعُقِلَ مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابَيْنِ كَوْنُ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ ؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَكُونُ حَوْلَيْنِ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَنَا الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلَا يَخْرُجُ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوْلَيْنِ، كَذَلِكَ الْفِصَالُ لَا يَخْرُجُ مِنْ جُمْلَةِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قَدْ انْتَظَمَتْهُمَا الْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾.
وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ :" لَمَّا كَانَ الْحَوْلَانِ هُمَا الْوَقْتُ الْمُعْتَادُ لِلْفِطَامِ وَقَدْ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الِانْتِقَالِ مِنْ غِذَاءِ اللَّبَنِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَى غِذَاءِ الطَّعَامِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، كَمَا كَانَتْ مُدَّةُ انْتِقَالِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ الْأُمِّ إلَى غِذَاءِ الطَّعَامِ بِالْوِلَادَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ ".
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَوْله تَعَالَى :{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ


الصفحة التالية
Icon