قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إلَى أَجَلِهِ ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : لَا تَمَلُّوا وَلَا تَضْجَرُوا أَنْ تَكْتُبُوا الْقَلِيلَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَأْجِيلِهِ وَالْكَثِيرَ الَّذِي نُدِبَ فِيهِ الْكِتَابُ وَالْإِشْهَادُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْقِيرَاطَ وَالدَّانِقَ وَنَحْوَهُ ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْعَادَةِ الْمُدَايَنَةُ بِمِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ ؛ فَأَبَانَ أَنَّ حُكْمَ الْقَلِيلِ الْمُتَعَارَفِ فِيهِ التَّأْجِيلُ كَحُكْمِ الْكَثِيرِ فِيمَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ وَأَنَّ قَلِيلَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى كِتَابَتِهِ وَالْإِشْهَادِ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعَادَةِ فَطَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ وَغَالِبُ الظَّنِّ ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَا تَوْقِيفَ فِيهَا وَلَا اتِّفَاقَ.
وَقَوْلُهُ :﴿ إلَى أَجَلِهِ ﴾ يَعْنِي : إلَى مَحِلِّ أَجَلِهِ، فَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْأَجَلِ فِي الْكِتَابِ وَمَحِلِّهِ كَمَا كَتَبَ أَصْلَ الدَّيْنِ ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَا فِي الْكِتَابِ صِفَةَ الدَّيْنِ وَنَقْدَهُ وَمِقْدَارَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ بَعْضُ أَوْصَافٍ، فَحُكْمُ سَائِرِ أَوْصَافِهِ بِمَنْزِلَتِهِ.


الصفحة التالية
Icon