وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرَّهْنِ إذَا وُضِعَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالثَّوْرِيُّ :( يَصِحُّ الرَّهْنُ إذَا جَعَلَاهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ :( لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ ).
وَقَالَ مَالِكٌ :( إذَا جَعَلَاهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَضَيَاعُهُ مِنْ الرَّاهِنِ ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رَهْنِ شِقْصِ السَّيْفِ :( إنَّ قَبْضَهُ أَنْ يُحَوِّلَ حَتَّى يَضَعَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الشَّرِيكِ ).
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ يَقْتَضِي جَوَازَهُ إذَا قَبَضَهُ الْعَدْلُ ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ فَصْلٌ بَيْنَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَالْعَدْلِ، وَعُمُومُهُ يَقْتَضِي جَوَازَ قَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَدْلَ وَكِيلٌ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْقَبْضِ، فَكَانَ الْقَبْضُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ فِي الْهِبَةِ وَسَائِرِ الْمَقْبُوضَاتِ بِوَكَالَةِ مَنْ لَهُ الْقَبْضُ فِيهَا.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ الْعَدْلُ وَكِيلًا لِلْمُرْتَهِنِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ، وَلَمَا كَانَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا وَقَابِضًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَرْضَ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا رَضِيَ بِيَدِ وَكِيلِهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَى هُوَ قَابِضٌ لِلسِّلْعَةِ لِلْمُوَكِّلِ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالثَّمَنِ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَبْسِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ ؟ وَلَيْسَ جَوَازُ حَبْسِ الْوَكِيلِ الرَّهْنِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ عَلَمًا لِنَفْيِ الْوَكَالَةِ وَكَوْنِهِ قَابِضًا لَهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْقَبْضِ، أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ مَتَى شَاءَ أَنْ يَفْسَخَ هَذَا الرَّهْنَ وَيُبْطِلَ يَدَ الْعَدْلِ وَيَرُدَّهُ إلَى الرَّهْنِ،