النَّاسِخُ وَالْمُتَشَابِهَ هُوَ الْمَنْسُوخُ " فَهَذَا عِنْدَنَا هُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وُجُوهٌ غَيْرَهُمَا.
وَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى النَّاسِخُ مُحْكَمًا لِأَنَّهُ ثَابِتُ الْحُكْمِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْبِنَاءَ الْوَثِيقَ مُحْكَمًا، وَيَقُولُونَ فِي الْعَقْدِ الْوَثِيقِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ حِلُّهُ مُحْكَمًا، فَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى النَّاسِخُ مُحْكَمًا ؛ إذْ كَانَتْ صِفَتُهُ الثَّبَاتَ وَالْبَقَاءَ، وَيُسَمَّى الْمَنْسُوخُ مُتَشَابِهًا مِنْ حَيْثُ أَشْبَهَ فِي التِّلَاوَةِ الْمُحْكَمَ، وَخَالَفَهُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَيَشْتَبِهُ عَلَى التَّالِي حُكْمُهُ فِي ثُبُوتِهِ وَنَسْخِهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى الْمَنْسُوخُ مُتَشَابِهًا.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ الَّذِي لَمْ تَتَكَرَّرْ أَلْفَاظُهُ وَالْمُتَشَابِهَ هُوَ الَّذِي تَتَكَرَّرُ أَلْفَاظُهُ ؛ فَإِنَّ اشْتِبَاهَ هَذَا مِنْ جِهَةِ اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِيهِ عَلَى السَّامِعِ، وَهَذَا سَائِغٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا يَشْتَبِهُ فِيهِ.
وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِيهِ عَلَى السَّامِعِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَهُ وَيَتَّضِحَ لَهُ وَجْهُهُ ؛ فَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُتَشَابِهِ.
وَمَا لَا يَشْتَبِهُ فِيهِ وَجْهُ الْحِكْمَةِ عَلَى السَّامِعِ، وَهَذَا فَهُوَ الْمُحْكَمُ الَّذِي لَا تَشَابُهَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ، فَهَذَا أَيْضًا أَحَدُ وُجُوهِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ فِيهِ سَائِغٌ جَائِزٌ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْمُحْكَمَ مَا يُعْلَمُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِهِ وَالْمُتَشَابِهَ مَا لَا يُعْلَمُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ، فَإِنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ سَائِغٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَا عُلِمَ وَقْتُهُ وَمَعْنَاهُ فَلَا تَشَابُهَ فِيهِ، وَقَدْ أُحْكِمَ بَيَانُهُ، وَمَا لَا يُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ وَمَعْنَاهُ وَوَقْتُهُ فَهُوَ مُشْتَبِهٌ عَلَى سَامِعِهِ


الصفحة التالية
Icon