فَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ.
فَجَمِيعُ هَذِهِ الْوُجُوهِ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ عَلَى مَا رُوِيَ فِيهِ، وَلَوْلَا احْتِمَالُ اللَّفْظِ لِمَا ذَكَرُوا لَمَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَالْمُتَشَابِهَ مَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، فَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الَّذِي يَنْتَظِمُهَا هَذَا الِاسْمُ ؛ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ سُمِّيَ مُحْكَمًا لَإِحْكَامِ دَلَالَتِهِ وَإِيضَاحِ مَعْنَاهُ وَإِبَانَتِهِ.
وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُحْكَمَ مِنْ وَجْهٍ وَاحْتَمَلَ مَعْنَاهُ وَأَشْبَهَ غَيْرَهُ مِمَّا يُخَالِفُ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْمُحْكَمِ فَسُمِّيَ مُتَشَابِهًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
فَلَمَّا كَانَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ يَعْتَوِرُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُعَانَى احْتَجْنَا إلَى مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ مَعَ عِلْمِنَا بِمَا فِي مَضْمُونِ هَذِهِ الْآيَةِ وَفَحْوَاهَا مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ وَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ دُونَ حَمْلِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْمُحْكَمَاتِ :﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ وَالْأُمُّ هِيَ الَّتِي مِنْهَا ابْتِدَاؤُهُ وَإِلَيْهَا مَرْجِعُهُ، فَسَمَّاهَا أُمًّا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ بِنَاءَ الْمُتَشَابِهِ عَلَيْهَا وَرَدَّهُ إلَيْهَا.
ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ فَوَصَفَ مُتَّبِعَ الْمُتَشَابِهِ مِنْ غَيْرِ حَمْلِهِ لَهُ عَلَى مَعْنَى الْمُحْكَمِ بِالزَّيْغِ فِي قَلْبِهِ، وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ مُبْتَغٍ لِلْفِتْنَةِ، وَهِيَ الْكُفْرُ وَالضَّلَالُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ