أَعْلَمُ : الْكُفْرَ ؛ فَأَخْبَرَ أَنَّ مُتَّبِعَ الْمُتَشَابِهِ وَحَامِلَهُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْمُحْكَمِ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ يَعْنِي الْمَيْلَ عَنْ الْحَقِّ يَسْتَدْعِي غَيْرَهُ بِالْمُتَشَابِهِ إلَى الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ.
فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَشَابِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ اللَّفْظُ الْمُحْتَمِلُ لِلْمَعَانِي الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْمُحْكَمِ وَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَعَانِي الَّتِي تَعْتَوِرُ هَذَا اللَّفْظَ وَتَتَعَاقَبُ عَلَيْهِ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي أَقْسَامِ الْمُتَشَابِهِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا مَعَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ، فَوَجَدْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ تَارِيخُهُمَا مَعْلُومًا فَلَا اشْتِبَاهَ فِيهِمَا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِتَارِيخِهِمَا، وَعَلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْمَنْسُوخَ مَتْرُوكُ الْحُكْمِ، وَأَنَّ النَّاسِخَ ثَابِتُ الْحُكْمِ، فَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يَقَعُ فِيهِ اشْتِبَاهٌ عَلَى السَّامِعِ الْعَالِمِ بِتَارِيخِ الْحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا احْتِمَالَ فِيهِمَا لِغَيْرِ النَّسْخِ.
وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَى السَّامِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ التَّارِيخَ، فَهَذَا لَيْسَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ أَوْلَى بِكَوْنِهِ مُحْكَمًا مِنْ الْآخَرِ وَلَا بِكَوْنِهِ مُتَشَابِهًا مِنْهُ ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا ؛ فَهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مَحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ :" إنَّ الْمُحْكَمَ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ لَفْظُهُ وَالْمُتَشَابِهَ مَا تَكَرَّرَ لَفْظُهُ " فَهَذَا أَيْضًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى رَدِّهِ إلَى الْمُحْكَمِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى تَدَبُّرِهِ بِعَقْلِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى مَا فِي اللُّغَةِ مِنْ تَجْوِيزِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ :" إنَّ الْمُحْكَمَ مَا عُلِمَ وَقْتُهُ وَتَعْيِينُهُ وَالْمُتَشَابِهَ مَا لَا يُعْلَمُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِهِ