وَمَا أَخْفَى عَنَّا عِلْمَ مَا غَابَ عَنَا عِلْمُهُ إلَّا لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَنَا وَمَا هُوَ خَيْرٌ لَنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَمَا أَعْلَمَنَا وَمَا يُعْلِمْنَاهُ إلَّا لِمَصْلَحَتِنَا وَنَفْعِنَا ؛ فَيَعْتَرِفُونَ بِصِحَّةِ الْجَمِيعِ وَالتَّصْدِيقِ بِمَا عَلِمُوا مِنْهُ وَمَا لَمْ يَعْلَمُوهُ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى الْكَلَامِ وَتَمَامُهُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ ﴾، وَأَنَّ " الْوَاوَ " لِلِاسْتِقْبَالِ دُونَ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ لَقَالَ : وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وَيَسْتَأْنِفُ ذِكْرَ الْوَاوِ لِاسْتِئْنَافِ الْخَبَرِ.
وَقَالَ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : هَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ، وَقَدْ وُجِدَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فِي بَيَانِ قَسْمِ الْفَيْءِ :﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ثُمَّ تَلَاهُ بِالتَّفْصِيلِ، وَتَسْمِيَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الْفَيْءَ فَقَالَ :﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ وَهُمْ لَا مَحَالَةَ دَاخِلُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفَيْءِ كَالْأَوَّلِينَ، وَالْوَاوُ فِيهِ لِلْجَمْعِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ مَعْنَاهُ : قَائِلِينَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا.
كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ﴾ مَعْنَاهُ : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ مَا نُصِبَ لَهُمْ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ، قَائِلِينَ : رَبَّنَا آمَنَّا بِهِ ؛ فَصَارُوا مَعْطُوفِينَ عَلَى مَا قَبْلَهُ دَاخِلِينَ فِي حَيِّزِهِ، وَقَدْ وُجِدَ مِثْلُهُ فِي الشِّعْرِ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُفْرِغٍ الْحِمْيَرِيُّ : وَشَرَيْت بُرْدًا لَيْتَنِي مِنْ


الصفحة التالية
Icon