بَعْدِ بُرْدٍ كُنْت هَامَهْ فَالرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَهُ وَالْبَرْقُ يَلْمَعُ فِي الْغَمَامَهْ وَالْمَعْنَى : وَالْبَرْقُ يَبْكِي شَجْوَهُ لَامِعًا فِي الْغَمَامَةِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ دَلَالَةِ الْآيَةِ فِي وُجُوبِ رَدِّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ، فَيَعْلَمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ تَأْوِيلَهُ إذَا اسْتَدَلُّوا بِالْمُحْكَمِ عَلَى مَعْنَاهُ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ " الْوَاوَ " لَمَّا كَانَتْ حَقِيقَتُهَا الْجَمْعَ فَالْوَاجِبُ حَمْلُهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَمُقْتَضَاهَا، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ إلَّا بِدَلَالَةٍ، وَلَا دَلَالَةَ مَعَنَا تُوجِبُ صَرْفَهَا عَنْ الْحَقِيقَةِ، فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى الْجَمْعِ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْمُحْكَمِ مُقَيَّدًا بِمَا فِي الْعَقْلِ، وَقَدْ يُمْكِنُ كُلُّ مُبْطِلٍ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَيُبْطِلُ فَائِدَةَ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُحْكَمِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا هُوَ فِي تَعَارُفِ الْعُقُولِ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُطَابِقًا لِمَا تَعَارَفَهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي اسْتِعْمَالِ حُكْمِ الْعَقْلِ فِيهِ إلَى مُقَدِّمَاتٍ بَلْ يُوقَعُ الْعِلْمُ لِسَامِعِهِ بِمَعْنَى مُرَادِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ فِي عُقُولِ الْعُقَلَاءِ دُونَ عَادَاتٍ فَاسِدَةٍ قَدْ جَرَوْا عَلَيْهَا، فَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ الْمُحْكَمُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ إلَّا مُقْتَضَى لَفْظِهِ وَحَقِيقَتِهِ، فَأَمَّا الْعَادَاتُ الْفَاسِدَةُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا.