قَوْله تَعَالَى :﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا ﴾ يُقَالُ إنَّهُ طَلَبَ آيَةً لِوَقْتِ الْحَمْلِ لِيُعَجِّلَ السُّرُورَ بِهِ، فَأَمْسَكَ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَلِّمَ النَّاسَ إلَّا بِالْإِيمَاءِ ؛ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :﴿ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ﴾ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا :﴿ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ عَبَّرَ تَارَةً بِذِكْرِ الْأَيَّامِ وَتَارَةً بِذِكْرِ اللَّيَالِيِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ مِنْ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُعْقَلُ بِهِ مِقْدَارُهُ مِنْ الْوَقْتِ الْآخَرِ، فَيُعْقَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثُ لَيَالٍ مَعَهَا وَمِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ فَقَالَ :﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَدَدِ الْأَوَّلِ عَقِلَ الْمَلَائِكَةُ مِثْلَهُ مِنْ الْوَقْتِ الْآخَرِ.