مِنْ الْأَمْنِ بِدُخُولِ الْحَرَمِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا مِنْ آيِ الْقِصَاصِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ ﴾ وَارِدٌ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ لَا فِي حُكْمِ الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ :﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ وَارِدٌ فِي حُكْمِ الْحَرَمِ وَوُقُوعِ الْأَمْنِ لِمَنْ لَجَأَ إلَيْهِ، فَيُجْرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى بَابِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ، وَلَا يَعْتَرِضُ بِآيِ الْقِصَاصِ عَلَى حُكْمِ الْحَرَمِ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ إيجَابَ الْقِصَاصِ لَا مَحَالَةَ مُتَقَدِّمٌ لِإِيجَابِ أَمَانِهِ بِالْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ وَاجِبًا قَبْلَ ذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يُقَالَ هُوَ آمِنٌ مَا لَمْ يَجْنِ، وَلَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِأَمْنِهِ بِدُخُولِ الْحَرَمِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إيجَابِ الْقِصَاصِ.
وَمِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَلَمْ تَحِلَّ ؛ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ﴾، فَظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي حَظْرَ قَتْلِ اللَّاجِئِ إلَيْهِ وَالْجَانِي فِيهِ ؛ إلَّا أَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِجِنَايَتِهِ، فَبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِي الْجَانِي إذَا لَجَأَ إلَيْهِ.
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ :﴿ إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ أَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾، وَهَذَا أَيْضًا يَحْظُرُ عُمُومُهُ قَتْلَ كُلِّ مَنْ كَانَ فِيهِ، فَلَا يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِدَلَالَةٍ.
وَأَمَّا مَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَجَأَ إلَى الْحَرَمِ حُبِسَ بِهِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ ﴾، وَالْحَبْسُ فِي