قَوْله تَعَالَى :﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ :" نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ كَانُوا يُغْرُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِذِكْرِهِمْ الْحُرُوبَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَنْسَلِخُوا مِنْ الدِّينِ بِالْعَصَبِيَّةِ وَحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
وَعَنْ الْحَسَنِ :" أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا فِي كِتْمَانِهِمْ صِفَتَهُ فِي كُتُبِهِمْ ".
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ سَمَّى اللَّهُ الْكُفَّارَ شُهَدَاءَ وَلَيْسُوا حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، فَلَا يَصِحُّ لَكُمْ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ :﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ فِي صِحَّةِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَثُبُوتِ حُجَّتِهِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَمْ يَقُلْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ عَلَى غَيْرِكُمْ، وَقَالَ هُنَاكَ :﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ كَمَا قَالَ :﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ تَصْدِيقَهُمْ وَصِحَّةَ إجْمَاعِهِمْ.
وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :﴿ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾ وَمَعْنَاهُ غَيْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا :﴿ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾ أَنَّكُمْ عَالِمُونَ بِبُطْلَانِ قَوْلِكُمْ فِي صَدِّكُمْ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ.
وَالثَّانِي : أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ :﴿ شُهَدَاءُ ﴾ عُقَلَاءَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ يَعْنِي : وَهُوَ عَاقِلٌ ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ الدَّلِيلَ الَّذِي يُمَيَّزُ بِهِ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ.


الصفحة التالية
Icon