بَابُ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ الْآيَةَ.
وَقَدْ قِيلَ فِي الْخِطْبَةِ إنَّهَا الذِّكْرُ الَّذِي يُسْتَدْعَى بِهِ إلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ.
وَالْخُطْبَةُ بِالضَّمِّ : الْمَوْعِظَةُ الْمُتَّسِقَةُ عَلَى ضُرُوبٍ مِنْ التَّأْلِيفِ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا : إنَّ الْخُطْبَةَ مَا لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ كَالرِّسَالَةِ، وَالْخِطْبَةُ لِلْحَالِ نَحْوَ الْجِلْسَة وَالْقِعْدَةِ.
وَقِيلَ فِي التَّعْرِيضِ : إنَّهُ مَا تَضَمَّنَ الْكَلَامُ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لَهُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : مَا أَنَا بِزَانٍ ؛ يُعَرِّضُ بِغَيْرِهِ أَنَّهُ زَانٍ ؛ وَلِذَلِكَ رَأَى عُمَرُ فِيهِ الْحَدَّ وَجَعَلَهُ كَالتَّصْرِيحِ.
وَالْكِنَايَةُ الْعُدُولُ عَنْ صَرِيحِ اسْمِهِ إلَى ذِكْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنَ ؛ فَالْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :( التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَمْرِهَا وَأَمْرِهَا، يُعَرِّضُ لَهَا بِالْقَوْلِ ).
وَقَالَ الْحَسَنُ :( هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا : إنِّي بِك لَمُعْجَبٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَلَا تُفَوِّتِينَا نَفْسَك ).
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةِ بِنْتِ قَيْسٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ :﴿ لَا تُفَوِّتِينَا بِنَفْسِك ثُمَّ خَطَبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﴾.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :( هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ : إنَّك لَكَرِيمَةٌ وَإِنَّى فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا، أَوْ نَحْوُ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ ).
وَقَالَ عَطَاءٌ :( هُوَ أَنْ يَقُولَ : إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنْ قَضَى اللَّهُ شَيْئًا كَانَ ).
فَكَانَ التَّعْرِيضُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَدُلُّ فَحَوَاهُ عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا وَلَا يُخْطِبُهَا بِصَرِيحِ الْقَوْلِ.
قَالَ سَعِيدُ


الصفحة التالية
Icon