وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعِدَّةِ إذَا وَجَبَتْ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ :( إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ رَجُلَيْنِ فَإِنَّ عِدَّةً وَاحِدَةً تَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا، سَوَاءً كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَمْلِ أَوْ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالشُّهُورِ ) وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ :( تَعْتَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً ).
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ يَقْتَضِي كَوْنَ عِدَّتِهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَوَطِئَهَا رَجُلٌ بِشُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ ؛ وَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ كُنَّا زَائِدِينَ فِي الْآيَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا ؛ إذْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا ".
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُطَلَّقَةٍ قَدْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ تُوطَأْ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا هِيَ بِمُضِيِّ الْأَوْقَاتِ وَالْأَهِلَّةِ وَالشُّهُورِ، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ وَقْتًا لِجَمِيعِ النَّاسِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الشُّهُورُ وَالْأَهِلَّةُ وَقْتًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعُمُومِ الْآيَةِ.