الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ فَقَدْ حَوَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الدَّلَالَةَ عَلَى وُجُوبِ الْمُتْعَةِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ ﴾ لِأَنَّهُ أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ حَتَّى تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى النَّدْبِ.
وَالثَّانِي : قَوْله تَعَالَى :﴿ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾ وَلَيْسَ فِي أَلْفَاظِ الْإِيجَابِ آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ ( حَقًّا عَلَيْهِ ).
وَالثَّالِثُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾ تَأْكِيدٌ لِإِيجَابِهِ ؛ إذْ جَعَلَهَا مِنْ شَرْطِ الْإِحْسَانِ، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ قَدْ دَلَّ قَوْلُهُ ( حَقَّا عَلَيْهِ ) عَلَى الْوُجُوبِ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ تَأْكِيدٌ لِإِيجَابِهَا وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ قَدْ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَمْرٌ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا لَهُمْ، وَمَا كَانَ لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مِلْكُهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، كَقَوْلِك ( هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ ).
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا خَصَّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ بِالذِّكْرِ فِي إيجَابِ الْمُتْعَةِ عَلَيْهِمْ، دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّهَا نَدْبٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمُتَّقُونَ وَالْمُحْسِنُونَ وَغَيْرُهُمْ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا ذَكَرَ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ تَأْكِيدًا لِوُجُوبِهَا، وَلَيْسَ تَخْصِيصُهُمْ بِالذِّكْرِ نَفْيًا لِإِيجَابِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ وَهُوَ هُدًى لِلنَّاسِ كَافَّةً، وقَوْله تَعَالَى { شَهْرُ رَمَضَانَ


الصفحة التالية
Icon