وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْحَجْبِ بِمَنْ لَا يَرِثُ، وَهُوَ أَنْ يُخَلِّفَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَبَوَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَأَخَوَيْنِ كَافِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ قَاتِلَيْنِ، فَقَالَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَزَيْدٌ :" لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمَةُ إذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَابْنًا كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ قَاتِلًا، أَوْ الرَّجُلُ تَرَكَ امْرَأَةً وَابْنًا كَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَحْجُبُونَ الزَّوْجَ وَلَا الْمَرْأَةَ عَنْ نَصِيبِهِمَا الْأَكْثَرَ إلَى الْأَقَلِّ " وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ :" يَحْجُبُونَ وَإِنْ لَمْ يَرِثُوا ".
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ :" الْمَمْلُوكُ وَالْكَافِرُ لَا يَرِثَانِ وَلَا يَحْجُبَانِ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ وَيَحْجُبُ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَبَ الْكَافِرَ لَا يَحْجُبُ ابْنَهُ مِنْ مِيرَاثِ جَدِّهِ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ حَجْبِ الْأُمِّ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ حَجَبَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ.
فَيُقَالُ لَهُ : فَلِمَ حَجَبْت بِهِ الْأُمَّ دُونَ الْأَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا حَجَبَهُمَا جَمِيعًا بِالْوَلَدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ ؟ فَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَحْجُبَ الْأَبُ وَجَعَلْت قَوْله تَعَالَى :﴿ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ عَلَى وَلَدٍ يَجُوزُ الْمِيرَاثُ، فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ فِي الْأُمِّ.