الذِّمِّيِّ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْإِسْلَامِ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ وَرَثَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسْلِمُونَ مَالَهُ، وَمَا اسْتَحَقَّ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ بِالْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ وَرَثَتُهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ بَلْ يَكُونُونَ هُمْ أَوْلَى كَمَوَارِيثِ الْمُسْلِمِينَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ وَإِنْ جُعِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَحَقًّا بِالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ لَا مَالِكَ لَهُ وَجَدَهُ الْإِمَامُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ كَاللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مُسْتَحِقُّهَا فَتُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا اكْتَسَبَهُ الْمُرْتَدُّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ :" إنَّهُ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ " وَهَذَا يَنْقُضُ الِاعْتِلَالَ وَيَدُلُّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُخَالِفِ.
قِيلَ لَهُ : لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَلَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا صَحِيحًا، وَمَتَى جَعَلْنَاهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّمَا يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَالُ مَغْنُومًا كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْحَرْبِ إذَا ظَفِرْنَا بِهَا، وَمَا يُؤْخَذُ عَلَى وَجْهِ الْغَنِيمَةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْغَنَائِمَ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ لِغَانِمِيهَا بِالْإِسْلَامِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الذِّمِّيَّ مَتَى شَهِدَ الْقِتَالَ اسْتَحَقَّ أَنْ يُرْضَخَ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ.
فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ وَمَالَ الْمُرْتَدِّ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ مَغْنُومٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ قُرْبُ النَّسَبِ وَالْإِسْلَامِ كَمَا اعْتَبَرْنَا فِي مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ مِلْكَهُ فِيهِ صَحِيحًا إلَى أَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ، فَمَنْ يَسْتَحِقُّهُ