يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا }.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَكَانَ حُكْمُ الزَّانِيَةِ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ مَا أَوْجَبَ مِنْ حَدِّهَا بِالْحَبْسِ إلَى أَنْ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حُكْمًا عَامًّا فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ :" أَنَّ الْمُرَادَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ".
وَقَالَ السُّدِّيُّ :" الْبِكْرَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ".
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ :" أَنَّهُ أَرَادَ الرَّجُلَيْنِ الزَّانِيَيْنِ ".
وَهَذَا التَّأْوِيلُ الْأَخِيرُ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّثْنِيَةِ هَهُنَا ؛ إذْ كَانَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ إنَّمَا يَجِيئَانِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجِنْسِ الشَّامِلِ لَجَمِيعِهِمْ ؛ وَقَوْلُ الْحَسَنِ صَحِيحٌ وَتَأْوِيلُ السُّدِّيِّ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا، فَاقْتَضَتْ الْآيَتَانِ بِمَجْمُوعِهِمَا أَنَّ حَدَّ الْمَرْأَةِ كَانَ الْأَذَى وَالْحَبْسَ جَمِيعًا إلَى أَنْ تَمُوتَ، وَحَدَّ الرَّجُلِ التَّعْيِيرُ وَالضَّرْبُ بِالنِّعَالِ ؛ إذْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَخْصُوصَةً فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى بِالْحَبْسِ وَمَذْكُورَةً مَعَ الرَّجُلِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأَذَى فَاجْتُمِعَ لَهَا الْأَمْرَانِ جَمِيعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلرِّجَالِ إلَّا الْأَذَى فَحَسْبُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا فَأَفْرَدَتْ الْمَرْأَةُ بِالْحَبْسِ وَجُمِعَا جَمِيعًا فِي الْأَذَى، وَتَكُونُ فَائِدَةُ إفْرَادِ الْمَرْأَةِ بِالذِّكْرِ إفْرَادَهَا بِالْحَبْسِ إلَى أَنْ تَمُوتَ وَذَلِكَ حُكْمٌ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ الرَّجُلُ، وَجُمِعَتْ مَعَ الرَّجُلِ فِي الْأَذَى لَاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إيجَابُ الْحَبْسِ لِلْمَرْأَةِ مُتَقَدِّمًا لِلْأَذَى، ثُمَّ زِيدَ فِي حَدِّهَا وَأَوْجَبَ عَلَى