الرَّجُل الْأَذَى، فَاجْتَمَعَ لِلْمَرْأَةِ الْأَمْرَانِ وَانْفَرَدَ الرَّجُلُ بِالْأَذَى دُونَهَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْبُيُوتِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ السَّبِيلَ قَدْ كَانَ حَدَّهَا، فَإِذَا أُلْحِقَ بِهِ الْأَذَى صَارَ مَنْسُوخًا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ تُوجِبُ النَّسْخَ ؛ إذْ كَانَ الْحَبْسُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَمِيعَ حَدِّهَا، وَلَمَّا وَرَدَتْ الزِّيَادَةُ صَارَ بَعْضَ حَدِّهَا، فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كَوْنُ الْإِمْسَاكِ حَدًّا مَنْسُوخًا.
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْأَذَى حَدًّا لَهُمَا جَمِيعًا بَدِيًّا ثُمَّ زِيدَ فِي حَدِّ الْمَرْأَةِ الْحَبْسُ إلَى الْمَوْتِ أَوْ السَّبِيلُ الَّذِي يَجْعَلُهُ اللَّهُ لَهَا، فَيُوجِبُ ذَلِكَ نَسْخَ الْأَذَى فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ حَدًّا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْضَهُ بَعْدَ نُزُولِ الْحَبْسِ ؛ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ : هَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ مَنْسُوخًا بِإِسْقَاطِ حُكْمِهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَذَى إذَا كَانَ نَازِلًا بَعْدَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ عَلَى جِهَةِ رَفْعِ حُكْمِهِ رَأْسًا ؛ إذْ لَيْسَ فِي إيجَابِ الْأَذَى مَا يَنْفِي الْحَبْسَ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا ؛ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ نَسْخُهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضَ الْحَدِّ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمِيعَهُ، وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ النَّسْخِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي تَرْتِيبِ الْآيَتَيْنِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾ نَزَلَتْ قَبْلَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ﴾ ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُوضَعَ فِي التِّلَاوَةِ بَعْدَهُ، فَكَانَ الْأَذَى حَدًّا لَهُمَا جَمِيعًا، ثُمَّ الْحَبْسُ لِلْمَرْأَةِ مَعَ الْأَذَى.
وَذَلِكَ يَبْعُدُ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾ " الْهَاءُ " الَّتِي فِي قَوْلِهِ :﴿ يَأْتِيَانِهَا ﴾ كِنَايَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُظْهِرٍ مُتَقَدِّمٍ مَذْكُورٍ فِي الْخِطَابِ أَوْ مَعْهُودٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ