لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي الشَّرْعِ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَقَوْلُهُ :" إنَّ الْحَلَالَ ضِدُّ الْحَرَامِ " لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ سَأَلَهُ السَّائِلُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى الْمُصَلِّي عَنْ الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الِاضْطِجَاعِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَالْمَشْيُ وَالِاضْطِجَاعُ ضِدَّانِ وَقَدْ اجْتَمَعَا فِي النَّهْيِ.
وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى الْإِكْثَارِ ؛ إذْ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ إجَازَتِهِ ؛ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ :" إنَّهُمَا ضِدَّانِ " مَعْنًى يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
ثُمَّ حُكِيَ عَنْ السَّائِلِ أَنَّهُ قَالَ : أَجِدُ جِمَاعًا وَجِمَاعًا فَأَقِيسُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، قَالَ :" قُلْت : وَجَدْت جِمَاعًا حَلَالًا حَمِدْت بِهِ وَوَجَدْت جِمَاعًا حَرَامًا رَجَمْت بِهِ أَفَرَأَيْته يُشْبِهُهُ ؟ " قَالَ : مَا يُشْبِهُهُ، فَهَلْ تُوَضِّحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ السَّائِلُ أَنَّهُ مَا يُشْبِهُهُ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ افْتَرَقَا فَهَذَا مَا لَا يُنَازَعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ لَا يُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ رَامَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ إيجَابِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ يَنْفِي الشَّبَهَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا قِيَاسٌ إلَّا وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلشَّيْءِ بِغَيْرِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ جَمِيعِهَا، فَإِنْ كَانَ افْتِرَاقُ الشَّيْئَيْنِ مِنْ وَجْهٍ يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ الْقِيَاسِ أَصْلًا ؛ إذْ لَيْسَ يَجُوزُ وُجُودُ الْقِيَاسِ فِيمَا اشْتَبَهَا فِيهِ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ ؛ فَقَدْ بَانَ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَا سَلَّمَهُ لَهُ السَّائِلُ كَلَامٌ فَارِغٌ لَا مَعْنًى تَحْتَهُ فِي حُكْمِ مَا سُئِلَ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ السَّائِلُ : هَلْ تُوَضِّحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا ؟ قَالَ :" نَعَمْ، أَفَتَجْعَلُ الْحَلَالَ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ قِيَاسًا


الصفحة التالية
Icon