تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ جَوَازَ تَزْوِيجِ ابْنِ الْعَمِّ الْيَتِيمَةَ الَّتِي فِي حِجْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ جَعَلْت هَذَا التَّأْوِيلَ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ الَّذِي ذَكَرْت مَعَ احْتِمَالِ الْآيَةِ لِلتَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا ؟ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُمَا وَلَيْسَا مُتَنَافِيَيْنِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ قَدْ قَالَا : إنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُقَالُ تَوْقِيفًا فَهُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمَا ذَكَرَا سَبَبَ نُزُولِهَا وَالْقِصَّةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا، فَهُوَ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْجَدَّ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا ذَكَرَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ وَيَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا، وَالْجَدُّ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ ابْنُ الْعَمِّ وَمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْكَبِيرَةِ ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : إنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ﴾ يَعْنِي قَوْلَهُ :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ قَالَ : فَلَمَّا قَالَ :﴿ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ﴾ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْكِبَارُ مِنْهُنَّ دُونَ الصِّغَارِ ؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ لَا يُسَمَّيْنَ نِسَاءً.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ حَقِيقَتُهُ تَقْتَضِي اللَّاتِي لَمْ يَبْلُغْنَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يُتْمَ بَعْدَ بُلُوغِ الْحُلُمِ ﴾، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلَالَةٍ، وَالْكَبِيرَةُ