تُسَمَّى يَتِيمَةً عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، وقَوْله تَعَالَى :﴿ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ﴾ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْت ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ جَازَتْ إضَافَتُهُنَّ إلَيْهِنَّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ﴾ وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ دَاخِلَاتٌ فِيهِنَّ، وَقَالَ :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ﴾ وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ مُرَادَاتٌ بِهِ، وَقَالَ :﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ﴾ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا ؛ فَلَيْسَ إذًا فِي إضَافَةِ الْيَتَامَى إلَى النِّسَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُنَّ الْكِبَارُ دُونَ الصِّغَارِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ لَا يَصِحُّ فِي الْكِبَارِ ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا رَضِيَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ النِّكَاحُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الصِّغَارُ اللَّاتِي يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِنَّ فِي التَّزْوِيجِ مَنْ هُنَّ فِي حِجْرِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ وَمَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ :﴿ كَانَ الَّذِي زَوَّجَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ ابْنُهَا سَلَمَةُ، فَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَ حَمْزَةَ وَهُمَا صَبِيَّانِ صَغِيرَانِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا حَتَّى مَاتَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ جَزَيْت سَلَمَةَ بِتَزْوِيجِهِ إيَّايَ أُمَّهُ ؟ ﴾، وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ زَوَّجَهُمَا وَلَيْسَ بِأَبٍ وَلَا جَدٍّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ جَائِزٌ لِلصَّغِيرَيْنِ.
وَالثَّانِي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :{