مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ تَسْلِيمُ مَالٍ كَخِدْمَةِ الْحُرِّ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَكُلُّ مَنْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّمَا قَامَ بِفَرْضٍ ؛ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ﴾ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا لِلْبُضْعِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ التَّزْوِيجُ عَلَى تَعْلِيمِ الْإِسْلَامِ ؟ وَهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِعْلَهُ فَهُوَ مَتَى فَعَلَهُ فَرْضًا فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ لِلْحُكَّامِ أَخْذُ الرُّشَى عَلَى الْحُكْمِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ سُحْتًا مُحَرَّمًا.
فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَالَ رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا، إلَى أَنْ قَالَ :﴿ هَلْ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ قَالَ : نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : قَدْ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ؛ ﴾ وَبِمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ الْبَاهِلِيِّ عَنْ عَسَلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِ قِصَّةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي أَمْرِ الْمَرْأَةِ، وَقَالَ فِيهِ :﴿ مَا تَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا، قَالَ : قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك ﴾.
قِيلَ لَهُ : مَعْنَاهُ لِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ وَمَعْنَاهُ : لِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ وَأَيْضًا كَوْنُ الْقُرْآنِ مَعَهُ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا،