وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَزَوُّجِ الْحُرَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ قَدْ حَوَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الدَّلَالَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ : أَحَدُهُمَا : إبَاحَةُ النِّكَاحِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لِحُرَّةٍ مِنْ أَمَةٍ.
وَالثَّانِي : قَوْله تَعَالَى فِي نَسَقِ الْخِطَابِ :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى ضَمِيرٍ وَضَمِيرُهُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُظْهَرًا فِي الْخِطَابِ وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُ : فَاعْقِدُوا نِكَاحًا عَلَى مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ؛ وَغَيْرُ جَائِزٍ إضْمَارُ الْوَطْءِ فِيهِ ؛ إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ أَوْ الْحُرَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ﴾ إبَاحَةٌ مَعْقُودَةٌ بِشَرْطٍ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مِمَّا طَابَ لَنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا طَابَ حَتَّى يَجُوزَ الْعَقْدُ ؛ وَهُوَ إذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ الْمُفْتَقِرِ إلَى الْبَيَانِ.
قِيلَ لَهُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مَا طَابَ لَكُمْ ﴾ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا اسْتَطَبْتُمُوهُ، فَيَكُونُ مُفِيدًا لِلتَّخْيِيرِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ :" اجْلِسْ مَا طَابَ لَك فِي هَذِهِ الدَّارِ وَكُلْ مَا طَابَ لَك مِنْ هَذَا الطَّعَامِ " فَيُفِيدُ تَخْيِيرَهُ فِي فِعْلِ مَا شَاءَ مِنْهُ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : مَا حَلَّ لَكُمْ.
فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ فَقَدْ اقْتَضَى تَخْيِيرَهُ فِي نِكَاحِ مَنْ شَاءَ


الصفحة التالية
Icon