وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا حَلَّ لَكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ عَقِبَهُ بَيَانُ مَا طَابَ لَكُمْ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾، فَقَدْ خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ حَيِّزِ الْإِجْمَالِ إلَى حَيِّزِ الْعُمُومِ، وَاسْتِعْمَالُ الْعُمُومِ وَاجِبٌ كَيْفَ تَصَرَّفَتْ الْحَالُ.
وَعَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُحْتَمِلَةً لِلْعُمُومِ وَالْإِجْمَالِ جَمِيعًا لَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى مَعْنَى الْعُمُومِ أَوْلَى لِإِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ، وَمَتَى أَمْكَنَنَا اسْتِعْمَالُ حُكْمِ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ فَعَلَيْنَا اسْتِعْمَالُهُ ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ﴾ وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾، وَالْإِحْصَانُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى الْعَقْدِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ :" فَإِذَا أَسْلَمْنَ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ :" فَإِذَا تَزَوَّجْنَ ".
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّزْوِيجَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَ الْعَفَافَ، وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ هُوَ عُمُومٌ أَيْضًا فِي تَزَوُّجِ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾، وَذَلِكَ عُمُومٌ يُوجِبُ جَوَازَ نِكَاحِ الْإِمَاءِ كَمَا اقْتَضَى جَوَازَ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾،