لَمْ يَجُزْ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى الْحَرَائِرِ مِنْهُنَّ.
وَأَمَّا تَخْصِيصُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ الْإِمَاءِ فِي قَوْلِهِ :﴿ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ فَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذَّكَرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الْمَخْصُوصَ حُكْمُهُ بِخِلَافِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ فِي إبَاحَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَتَنَاوَلُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً، وَلَيْسَ بِعُمُومٍ فَيُجْرَى عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهِ بَلْ هُوَ مُجْمَلٌ مَوْقُوفُ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيَانِ، فَمَا وَرَدَ بِهِ الْبَيَانُ مِنْ تَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ صِرْنَا إلَيْهِ وَكَانَ حُكْمُ الْآيَةِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ بَيَانٌ فَهُوَ عَلَى إجْمَالِهِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ ؛ فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْحَرَائِرَ مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ مُرَادَاتٌ بِهِ اسْتَعْمَلْنَا حُكْمَ الْآيَةِ فِيهِنَّ، وَلَمَّا لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى إرَادَةِ الْإِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ احْتَجْنَا فِي إثْبَاتِهَا إلَى دَلِيلٍ مِنْ غَيْرِهَا.
قِيلَ لَهُ : لَمَّا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ أَنَّهُنَّ الْعَفَائِفُ مِنْهُنَّ ؛ إذْ كَانَ اسْمُ الْإِحْصَانِ يَقَعُ عَلَى الْعِفَّةِ، وَجَبَ اعْتِبَارُ عُمُومِ اللَّفْظِ فِي جَمِيعِ الْعَفَائِفِ ؛ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعِفَّةَ مُرَادَةٌ بِهَذَا الْإِحْصَانِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الْإِحْصَانِ لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهَا مُرَادَةٌ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْإِحْصَانِ اسْتِكْمَالُ شَرَائِطِهِ كُلِّهَا، فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ أَنَّهُ مُرَادٌ أَثْبَتْنَاهُ، وَمَا عَدَاهُ يَحْتَاجُ مُثْبِتُهُ شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ إلَى دَلَالَةٍ فَإِنْ قِيلَ : اسْمُ الْإِحْصَانِ يَقَعُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، فَمَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :{


الصفحة التالية
Icon