وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ فَإِنَّهُ إبَاحَةٌ لِلثِّنْتَيْنِ إنْ شَاءَ وَلِلثَّلَاثِ إنْ شَاءَ وَلِلرُّبَاعِ إنْ شَاءَ، عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَجْمَعَ فِي هَذِهِ الْأَعْدَادِ مَنْ شَاءَ ؛ قَالَ : فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَعْدِلَ اقْتَصَرَ مِنْ الْأَرْبَعِ عَلَى الثَّلَاثِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَعْدِلَ اقْتَصَرَ مِنْ الثَّلَاثِ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاحِدَةِ.
وَقِيلَ : إنَّ " الْوَاوَ " هَهُنَا بِمَعْنَى " أَوْ " كَأَنَّهُ قَالَ : مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ.
وَقِيلَ أَيْضًا فِيهِ : إنَّ " الْوَاوَ " عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلَكِنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَثُلَاثَ بَدَلًا مِنْ مَثْنَى، وَرُبَاعَ بَدَلًا مِنْ ثُلَاثَ، لَا عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ : إنَّهُ لَوْ قِيلَ : إنَّ " أَوْ " لَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ الثُّلَاثُ لِصَاحِبِ الْمَثْنَى وَلَا الرُّبَاعُ لِصَاحِبِ الثُّلَاثِ، فَأَفَادَ ذِكْرُ " الْوَاوِ " إبَاحَةَ الْأَرْبَعِ لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْخِطَابِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَثْنَى دَاخِلٌ فِي الثُّلَاثِ وَالثُّلَاثَ فِي الرُّبَاعِ ؛ إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْدَادِ مُرَادٌ مَعَ الْأَعْدَادِ الْأُخَرِ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ، فَتَكُونُ تِسْعًا ؛ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾ وَالْمَعْنَى : فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِالْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَدِيًّا، ثُمَّ قَالَ :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَصَارَتْ الْأَيَّامُ كُلُّهَا ثَمَانِيَةً، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ فَكَذَلِكَ الْمَثْنَى دَاخِلٌ فِي الثُّلَاثِ وَالثُّلَاثُ فِي الرُّبَاعِ، فَجَمِيعُ مَا