الْبَيْعَ لِلْمُشْتَرِي وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي إلَى شِرَائِهِ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ " بِعْنِي " فَنَفَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِالْقَوْلِ وَالْقَبُولِ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ " بِعْنِي " قَبُولًا لِلْعَقْدِ وَلَا مِنْ أَلْفَاظِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِهِ، فَإِذَا قَالَ " قَدْ قَبِلْت " وَقَعَ الْبَيْعُ ؛ فَهَذَا هُوَ الِافْتِرَاقُ الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَ نَظَائِرِهِ فِي إطْلَاقِ ذَلِكَ فِي اللِّسَانِ.
فَإِنْ قِيلَ : مَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْيِهِ الْبَيْعَ حَالَ إيقَاعِ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ؟ وَإِنَّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ لِمَا لَهُمَا فِيهِ مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ اسْمِ الْبَيْعِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثْبَتَ بَيْنَهُمَا الْبَيْعَ إذَا شَرَطَا فِيهِ الْخِيَارَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ مُوجِبًا لِنَفْيِ اسْمِ الْبَيْعِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ كُلُّ بَيِّعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ ﴾ ؟ فَجَعَلَ بَيْعَ الْخِيَارِ بَيْعًا، فَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ :" كُلُّ بَيِّعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا " حَالَ وُقُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَمَا نَفَى الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَا لَمْ يَنْفِهِ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارٌ مَشْرُوطٌ بَلْ أَثْبَتَهُ وَجَعَلَهُ بَيْعًا ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ :" كُلُّ بَيِّعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا " إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْبَيْعِ.
وَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ :" اشْتَرِ مِنِّي " أَوْ قَوْلَ الْمُشْتَرِي " بِعْنِي " لَيْسَ بِبَيْعٍ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ " قَدْ بِعْت " وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي " قَدْ اشْتَرَيْت " فَيَكُونَا قَدْ افْتَرَقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ،