بِتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ لَهَا ؛ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي حَالِ السُّكْرِ إنَّمَا دَلَّ عَلَى حَظْرِ شُرْبٍ يُوجِبُ السُّكْرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفَرْضُ الصَّلَاةِ قَائِمٌ عَلَيْهِ.
فَهَذَا التَّأْوِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي رَزِينٍ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ وَفَحْوَاهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْ السَّلَفِ فِي حَظْرِ الصَّلَاةِ عِنْدَ السُّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا نُهُوا عَنْ شُرْبٍ يَقْتَضِي كَوْنَهُ سَكْرَانَ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حَظْرًا قَائِمًا، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَشْرَبَ حَتَّى أَنَّهُ كَانَ سَكْرَانَ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ فِعْلِهَا مَأْمُورًا بِإِعَادَتِهَا فِي حَالِ الصَّحْوِ، أَوْ يَكُونُ النَّهْيُ مَقْصُورًا عَلَى فِعْلِهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ؛ وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ يَحْتَمِلُهَا لَفْظُ الْآيَةِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي قَدْ بَلَغَ بِهِ السُّكْرُ إلَى حَالٍ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَأَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي يَدْرِي مَا يَقُولُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّهْيُ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ ؛ وَهَذَا يَشْهَدُ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى الشُّرْبِ لَا إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَاَلَّذِي يَعْقِلُ مَا يَقُولُ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهِ النَّهْيُ ؛ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ إبَاحَةَ فِعْلِ الصَّلَاةِ إذَا عَلِمَ مَا يَقُولُ ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا حَظَرَتْ عَلَيْهِ الشُّرْبَ لَا فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي حَالِ السُّكْرِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فِيهِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ تَكْلِيفُ السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ.
وَهِيَ تَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ السُّكْرَ


الصفحة التالية
Icon