بِهَا طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، فَأُمِرُوا بِإِيتَاءِ النِّسَاءِ مُهُورَهُنَّ بِطِيبَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَالْعَطِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُعْطِي بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ.
وَيُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ فِي إيجَابِ كَمَالِ الْمَهْرِ لِلْمَخْلُوِّ بِهَا لِاقْتِضَاءِ الظَّاهِرِ لَهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي عَنْ الْمَهْرِ، لَمَّا أَمَرَهُمْ بِإِيتَائِهِنَّ صَدُقَاتِهِنَّ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ جَوَازِ قَبُولِ إبْرَائِهَا وَهِبَتِهَا لَهُ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّ عَلَيْهِ إيتَاءَهَا مَهْرَهَا وَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهَا بِتَرْكِهِ.
قَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :" مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهَا مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ فَهُوَ حَلَالٌ ".
وَقَالَ عَلْقَمَةُ لِامْرَأَتِهِ : أَطْعِمِينِي مِنْ الْهَنِيءِ الْمَرِيءِ.
فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ مَعَانِيَ : مِنْهَا أَنَّ الْمَهْرَ لَهَا وَهِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ لَهُ لَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ فِيهِ.
وَمِنْهَا أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ.
وَمِنْهَا جَوَازُ هِبَتِهَا الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ وَالْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ فِي أَخْذِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾.
وَمِنْهَا تَسَاوِي حَالِ قَبْضِهَا لِلْمَهْرِ وَتَرْكِ قَبْضِهَا فِي جَوَازِ هِبَتِهَا لِلْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ هِبَتِهَا لِلْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا تَعَيَّنَ مِنْ الْمَهْرِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ عَرَضًا بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَوْ دَرَاهِمَ قَدْ قَبَضَتْهَا، فَأَمَّا دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ هِبَتِهَا لَهُ ؛ إذْ لَا يُقَالُ لِمَا فِي الذِّمَّةِ كُلْهُ هَنِيئًا مَرِيئًا.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ الْمُرَادُ فِي ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى مَا يَتَأَتَّى فِيهِ