قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : التَّحِيَّةُ الْمِلْكُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : أَسِيرُ بِهِ إلَى النُّعْمَانِ حَتَّى أُنِيخَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بِجُنْدِ يَعْنِي : عَلَى مُلْكِهِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ :" حَيَّاك اللَّهُ " أَيْ " مَلَّكَك اللَّهُ ".
وَيُسَمَّى السَّلَامُ تَحِيَّةً أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ حَيَّاك اللَّهُ فَأُبْدِلُوا مِنْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالسَّلَامِ وَأُقِيمَ مَقَامَ قَوْلِهِمْ حَيَّاك اللَّهُ.
قَالَ أَبُو ذَرٍّ : كُنْت أَوَّلَ مَنْ حَيَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَقُلْت : السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
وَقَالَ النَّابِغَةُ : يُحَيُّونَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يُعْطُونَ الرَّيْحَانَ.
وَيُقَالُ لَهُمْ " حَيَّاكُمْ اللَّهُ " وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مَلَّكَك اللَّهُ ؛ فَإِذَا حَمَلْنَا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَفَادَ أَنَّ مَنْ مَلَّكَ غَيْرَهُ شَيْئًا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ وَهَبَ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا، فَإِذَا أُثِيبَ مِنْهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَحَدَ شَيْئَيْنِ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ رَدٍّ لِمَا جِيءَ بِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" { مَثَلُ الَّذِي يَسْتَرِدُّ مَا وَهَبَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ قَيْأَهُ، فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ