وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } وَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَتَحْصِينِ الدُّيُونِ بِالشَّهَادَاتِ وَالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ.
وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَكُمْ قَوَامًا عَلَيْهَا فَلَا تَجْعَلُوهَا فِي يَدِ مَنْ يُضَيِّعُهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ التَّأْوِيلِ : مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَرَادَ : لَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَهُمْ، وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إلَيْهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ يَعْنِي : لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ يُرِيدُ : مَنْ يَكُونُ فِيهَا.
وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ السُّفَهَاءُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ فَيَكُونُونَ مَمْنُوعِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى أَنْ يَزُولَ السَّفَهُ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السُّفَهَاءِ هَهُنَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" السَّفِيهُ مِنْ وَلَدِك وَعِيَالِك " وَقَالَ :" الْمَرْأَةُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ ".
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ :" النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ ".
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ :" كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ صِفَةَ سَفِيهٍ فِي الْمَالِ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ ".
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ :" ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ أَعْطَى مَالَهُ سَفِيهًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ ﴾ وَرَجُلٌ دَايَنَ رَجُلًا فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ ".
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ :" أَنَّ السُّفَهَاءَ النِّسَاءُ ".
وَقِيلَ إنَّ أَصْلَ السَّفَهِ خِفَّةُ الْحِلْمِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْفَاسِقُ سَفِيهًا ؛ لِأَنَّهُ لَا وَزْنَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ، وَيُسَمَّى