وقَوْله تَعَالَى :﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ انْتَظَمَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عُمُومًا وَمُجْمَلًا، فَأَمَّا الْعُمُومُ فَقَوْلُهُ :" لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ " وقَوْله تَعَالَى :﴿ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾ فَذَلِكَ عُمُومٌ فِي إيجَابِ الْمِيرَاثِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَدَلَّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى إثْبَاتِ مَوَارِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ : إنَّ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْأَخْوَالَ وَأَوْلَادَ الْبَنَاتِ مِنْ الْأَقْرَبِينَ، فَوَجَبَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ إثْبَاتُ مِيرَاثِهِمْ.
إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ ﴿ نَصِيبٌ ﴾ مُجْمَلًا غَيْرَ مَذْكُورِ الْمِقْدَارِ فِي الْآيَةِ امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ حُكْمِهِ إلَّا بِوُرُودِ بَيَانٍ مِنْ غَيْرِهِ.
إلَّا أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فِي إثْبَاتِ مِيرَاثٍ لِذَوِي الْأَرْحَامِ سَائِغٌ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ عَطْفًا عَلَى مَا قُدِّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ.
فَهَذِهِ أَلْفَاظٌ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْعُمُومِ وَالْمُجْمَلِ، فَلَا يَمْنَعُ مَا فِيهَا مِنْ الْإِجْمَالِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِعُمُومِهَا مَتَى اخْتَلَفْنَا فِيمَا انْتَظَمَهُ لَفْظُ الْعُمُومِ، وَهُوَ أَصْنَافُ الْأَمْوَالِ الْمُوجَبِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمُجْمَلِ عِنْدَ اخْتِلَافِنَا فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ ؛ كَذَلِكَ مَتَى اخْتَلَفْنَا فِي الْوَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمِيرَاثِ سَاغَ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى :﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾ الْآيَةَ ؛ وَمَتَى اخْتَلَفْنَا فِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ احْتَجْنَا فِي إثْبَاتِهِ إلَى بَيَانٍ مِنْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ :{ نَصِيبًا