وَقْتِ الْغُرُوبِ فَهُوَ أَوْلَى بِاسْمِ الطَّرَفِ، وَإِذَا كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ الْمِثْلَيْنِ فَمَا قَبْلَهُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَآخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ ﴾.
وَيُحْتَجُّ أَيْضًا لِهَذَا الْقَوْلِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدُّلُوكَ يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ امْتِدَادَ الْوَقْتِ إلَى الْغُرُوبِ، إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ مَا بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلظُّهْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ إلَى الْمِثْلَيْنِ بِالظَّاهِرِ.
وَيُحْتَجُّ فِيهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ مَضَى قَبْلَكُمْ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ قَبْلَكُمْ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مَا بَيْنَ غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِمَا بَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ ؟ فَعَمِلْتُمْ أَنْتُمْ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا : كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً قَالَ هَلْ نُقِصْتُمْ مِنْ جُعْلِكُمْ شَيْئًا ؟ قَالُوا : لَا، قَالَ فَإِنَّمَا هُوَ فَضْلِي أُوتِيَهُ مَنْ أَشَاءُ ﴾.
وَدَلَالَةُ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ :﴿ أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ مَضَى قَبْلَكُمْ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ﴾ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنْ قِصَرِ الْوَقْتِ ؛ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ