قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ ﴾ الْآيَةَ.
فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا عَرَّفَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالتَّعَبُّدِ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ رُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي رِجْلٍ سَرَقَ دِرْعًا، فَلَمَّا خَافَ أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ رَمَى بِهَا فِي دَارِ يَهُودِيٍّ، فَلَمَّا وُجِدَتْ الدِّرْعُ أَنْكَرَ الْيَهُودِيُّ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهَا، وَذَكَرَ السَّارِقُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَخَذَهَا، فَأَعَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَذَا الْآخِذَ عَلَى الْيَهُودِيِّ، فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْلِهِمْ، فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْآخِذِ وَبَرَّأَ الْيَهُودِيَّ مِنْهُ وَنَهَاهُ عَنْ مُخَاصَمَةِ الْيَهُودِيِّ وَأَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ مُعَاوَنَتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ عَنْ السَّارِقِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ أَوْ نَفْيِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَاتَبَ نَبِيَّهُ عَلَى مِثْلِهِ وَأَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُجَادَلَةِ عَنْ الْخَوَنَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ كُلُّهُ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مَعُونَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ مُحِقًّا.


الصفحة التالية
Icon