وَقَدْ اشْتَمَلَ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ عَلَى إلْزَامِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالذِّمَمِ الَّتِي نَعْقِدُهَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَعَلَى إلْزَامِ الْوَفَاءِ بِالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ ؛ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ وَعَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ أَيْ بِعُقُودِ اللَّهِ فِيمَا حَرَّمَ وَحَلَّلَ ؛ وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ :" يَعْنِي عُقُودَ الدِّينِ ".
وَاقْتَضَى أَيْضًا الْوَفَاءَ بِعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالنِّكَاحَاتِ، وَجَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْعُقُودِ، فَمَتَى اخْتَلَفْنَا فِي جَوَازِ عَقْدٍ أَوْ فَسَادِهِ وَفِي صِحَّةِ نَذْرٍ وَلُزُومِهِ صَحَّ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ لِاقْتِضَاءِ عُمُومِهِ جَوَازَ جَمِيعِهَا مِنْ الْكَفَالَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا.
وَيَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَبِالْمَالِ وَجَوَازِ تَعَلُّقِهَا عَلَى الْأَخْطَارِ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ﴾ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ وَهُوَ عُمُومٌ فِي إيجَابِ الْوَفَاءِ بِجَمِيعِ مَا يَشْرِطُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ تَقُمْ دَلَالَةً تُخَصِّصُهُ.


الصفحة التالية
Icon