قَوْله تَعَالَى :﴿ غَيْرَ مُحَلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى مَعْنَى : إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ أَكْلِ الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ؛ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ :﴿ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ هُوَ الصَّيْدُ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ.
وَهَذَا تَأْوِيلٌ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿ غَيْرَ مُحَلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ وَيَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ ؛ وَذَلِكَ تَعَسُّفٌ فِي التَّأْوِيلِ.
وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ إبَاحَةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مَقْصُورًا عَلَى الصَّيْدِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَيْتَةَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ ؛ فَهَذَا تَأْوِيلٌ لَا وَجْهَ لَهُ.
ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :﴿ غَيْرَ مُحَلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ مُسْتَثْنًى مِمَّا يَلِيهِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إلَّا مُحَلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ؛ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِإِبَاحَةِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَحْظُورِ ؛ إذْ كَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ :﴿ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ سِوَى الصَّيْدِ مِمَّا قَدْ بُيِّنَ وَسَيُبَيِّنُ تَحْرِيمَهُ فِي الثَّانِي، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحَلِّي الصَّيْدِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ.