فَصْلٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا كَانَ مِنْ الْحَيَوَانِ مَقْدُورًا عَلَى ذَبْحِهِ، فَيُعْتَبَرُ فِي ذَكَاتِهِ مَا وَصَفْنَا مِنْ مَوْضِعِ الذَّكَاةِ وَمِنْ الْآلَةِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا.
وَأَمَّا الَّذِي لَا نَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى ذَبْحِهِ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِإِصَابَتِهِ بِمَا يَجْرَحُ وَيُسِيلُ الدَّمَ أَوْ بِإِرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ طَيْرٍ فَيَجْرَحُهُ دُونَ مَا يَصْدِمُ أَوْ يَهْشِمُ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ يَجْرَحُهُ ؛ وَلَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا حُكْمُ مَا يَكُونُ أَصْلُهُ مُمْتَنِعًا مِثْلَ الصَّيْدِ وَمَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْأَنْعَامِ ثُمَّ يَتَوَحَّشُ وَيَمْتَنِعُ أَوْ يَتَرَدَّى فِي مَوْضِعٍ لَا نَقْدِرُ فِيهِ عَلَى ذَكَاتِهِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ، أَحَدُهُمَا : فِي الصَّيْدِ إذَا أُصِيبَ بِمَا لَا يَجْرَحُهُ مِنْ الْآلَةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ :" إذَا أَصَابَهُ بِعَرْضِ الْمِعْرَاضِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ ".
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ :" وَإِنْ رَمَيْته بِحَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ كَرِهْته إلَّا أَنْ تُذَكِّيَهُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْمِعْرَاضِ وَالْحَجَرِ وَالْبُنْدُقَةِ ".
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي صَيْدِ الْمِعْرَاضِ :" يُؤْكَلُ خَزَقَ أَوْ لَمْ يَخْزِقْ " قَالَ :" وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَكْحُولٌ لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا ".
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ :" إذَا خَزَقَ الْحَجَرُ فَكُلْ وَالْبُنْدُقَةُ لَا تَخْزِقُ ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :" إنْ خَزَقَ الْمَرْمِيُّ بِرَمْيِهِ أَوْ قَطَعَ بِحَدِّهِ أُكِلَ، وَمَا جَرَحَ بِثِقَلِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ ؛ وَفِيمَا نَالَتْهُ الْجَوَارِحُ فَقَتَلْته فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُجْرَحَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾.
وَالْآخَرُ أَنَّهُ حِلٌّ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْكَلْبِ إذَا قَتَلَ الصَّيْدُ بِصَدْمَتِهِ لَمْ يُؤْكَلْ.
وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْآخَرُ :


الصفحة التالية
Icon