فَمَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ فِي الْأَصْلِ، مِثْلُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ إذَا تَوَحَّشَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا :" إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَالصَّيْدِ وَيَكُونُ مُذَكًّى " وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ :" لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يُذْبَحَ عَلَى شَرَائِطِ الذَّكَاةِ ".
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ مِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْآثَارِ الْمُؤَيِّدَةِ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الصَّيْدِ أَنَّ شَرْطَ ذَكَاتِهِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ حَدٌّ، وَمِنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْمِعْرَاضِ أَنَّهُ إنْ أَصَابَ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾، فَكُلُّ مَا لَا يُجْرَحُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ وَقِيذٌ مُحَرَّمٌ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ : إنَّهَا لَا تَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا تَصِيدُ الصَّيْدَ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ ﴾ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجِرَاحَةَ فِي مِثْلِهِ لَا تُذَكَّى ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، وَإِنَّمَا الْجِرَاحَةُ الَّتِي لَهَا حُكْمٌ فِي الذَّكَاةِ هِيَ مَا يَقَعُ بِمَا لَهُ حَدٌّ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ قَالَ فِي الْمِعْرَاضِ : إنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَخَزَقَ فَكُلْ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يَجْرَحُ وَلَا يَجْرَحُ ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْآلَةِ، وَأَنَّ سَبِيلَهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا حَدٌّ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ بِهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْخَذْفِ :﴿ إنَّهَا لَا تَصِيدُ الصَّيْدَ ﴾ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ جِرَاحَتِهِ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ.
وَأَمَّا الْبَعِيرُ وَنَحْوُهُ إذَا تَوَحَّشَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَإِنَّ الَّذِي


الصفحة التالية
Icon