حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ.
وَلَا يَخْلُو الْإِمْسَاكُ عَلَيْنَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حَبْسُهُ إيَّاهُ عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، أَوْ حَبْسُهُ عَلَيْنَا بَعْدَ قَتْلِهِ، أَوْ تَرَكَهُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ بَعْدَ قَتْلِهِ ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَبْسَهُ عَلَيْنَا وَهُوَ حَيٌّ غَيْرُ مَقْتُولٍ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَأَنَّ حَبْسَهُ عَلَيْنَا حَيًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَبْسَهُ عَلَيْنَا بَعْدَ قَتْلِهِ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ إمْسَاكَهُ عَلَيْنَا شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ وَانْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْبِسْهُ عَلَيْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ ؛ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ تَرْكُهُ الْأَكْلَ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ :﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ يَقْتَضِي إبَاحَةَ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ أَكْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْسَكَهُ عَلَيْنَا إذَا لَمْ يَأْكُلْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْنَا الْمَأْكُولَ مِنْهُ دُونَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَقَدْ اقْتَضَى ظَاهِرُ الْآيَةِ إبَاحَةَ أَكْلِ الْبَاقِي مِمَّا هُوَ مُمْسَكٌ عَلَيْنَا.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مَعْنَى الْإِمْسَاكِ مِنْ السَّلَفِ قَالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ حَبَسَهُ عَلَيْنَا بَعْدَ الْقَتْلِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّ تَرْكَ أَكْلِ الْبَاقِي مِنْهُ بَعْدَ مَا أَكَلَ هُوَ إمْسَاكٌ، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ.
وَالثَّانِي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ إذَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُمْسِكًا عَلَيْنَا مَا بَقِيَ مِنْهُ إذَا كَانَ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا.
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ


الصفحة التالية
Icon