: فَكُلُوا مِمَّا قَتَلَهُ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ إمْسَاكٍ ؛ ؛ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَدْ أَكَلَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ الْحَظْرُ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إسْقَاطِ فَائِدَةِ ذِكْرِ إمْسَاكِهِ عَلَيْنَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا اصْطَادَ لِنَفْسِهِ وَأَمْسَكَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُمْسِكْهُ عَلَيْنَا بِاصْطِيَادِهِ، وَتَرْكُهُ أَكْلَ بَعْضِهِ بَعْدَ مَا أَكَلَ مِنْهُ مَا أَكَلَ لَا يُكْسِبُهُ فِي الْبَاقِي حُكْمَ الْإِمْسَاكِ عَلَيْنَا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ أَكْلَ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ عَلَيْنَا، وَفِي أَكْلِهِ مِنْهُ بَدِيًّا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ عَلَيْنَا بِاصْطِيَادِهِ ؛ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا اعْتِبَارُهُ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيمِ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصْطَادَهُ لَنَا وَيُمْسِكَهُ عَلَيْنَا، فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّعْلِيمِ.
فَإِنْ قِيلَ : الْكَلْبُ إنَّمَا يَصْطَادُ وَيُمْسِكُ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَبْعَانَ حِينَ أُرْسِلَ لَمْ يَصْطَدْ ؟ وَهُوَ إنَّمَا يُضَرَّى عَلَى الصَّيْدِ بِأَنْ يُطْعَمَ مِنْهُ، فَلَيْسَ إذًا فِي أَكْلِهِ مِنْهُ نَفْيُ التَّعْلِيمِ وَالْإِمْسَاكِ عَلَيْنَا.
وَلَوْ اُعْتُبِرَ مَا ذَكَرْتُمْ فِيهِ لَاحْتَجْنَا إلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْكَلْبِ وَضَمِيرِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا نَعْلَمُهُ وَلَا نَقِفُ عَلَيْهِ بَلْ لَا نَشُكُّ أَنَّ نِيَّتَهُ وَقَصْدَهُ لِنَفْسِهِ.
قِيلَ لَهُ : أَمَّا قَوْلُك :" إنَّهُ يَصْطَادُ وَيُمْسِكُ لِنَفْسِهِ " فَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا ضُرِبَ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ، وَلَمَا تَعَلَّمَ ذَلِكَ إذَا عُلِّمَ، فَلَمَّا كَانَ إذَا عُلِّمَ تَرْكَ الْأَكْلِ تَعَلَّمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتَى تَرَكَ الْأَكْلَ فَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ عَلَيْنَا مُعَلَّمٌ لِمَا شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تَعْلِيمِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُصْطَادٌ لِصَاحِبِهِ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ ؛ وَقَوْلُهُ :" إنَّهُ لَوْ كَانَ يَصْطَادُ


الصفحة التالية
Icon