اعْتَبَرَ فِيهِمْ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ خَارِجٌ بِهَا عَنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ :﴿ لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ قَالَ :{ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَتَحْلِفُ لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُهَوِّدَنَّهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ إذَا فِيهِمْ نَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْنَاؤُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ :﴿ لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ }.
قَالَ سَعِيدٌ : فَمَنْ شَاءَ لَحِقَ بِهِمْ وَمَنْ شَاءَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُفَرِّقْ فِيمَا ذَكَرَ بَيْنَ مَنْ دَانَ بِالْيَهُودِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبَعْدَهُ وَرَوَى عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ : أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّ نَاسًا مِنْ السَّامِرَةِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَيَسْبِتُونَ السَّبْتَ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ، فَمَا تَرَى ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ :" إنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ".
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَقَالَ :( لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينِهِمْ بِشَيْءٍ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ ).
وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُلُوا مِنْ ذَبَائِحِ بَنِي تَغْلِبَ وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ :﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إلَّا بِالْوِلَايَةِ كَانُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بَيْنَ مَنْ دَانَ بِذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبَعْدَهُ، فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ.
وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ دَانَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْدَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى