عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْت ﴾ فَلَوْ كَانَتْ ( الْوَاوُ ) تُوجِبُ التَّرْتِيبَ لَجَرَتْ مَجْرَى ( ثُمَّ ) وَلَمَا فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إيجَابُ التَّرْتِيبِ فَمُوجِبُهُ فِي الطَّهَارَةِ مُخَالِفٌ لَهَا وَزَائِدٌ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ نَسْخَ الْآيَةِ عِنْدَنَا لِحَظْرِهِ مَا أَبَاحَتْهُ ؛ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَسْخٌ، فَثَبَتَ جَوَازُ فِعْلِهِ غَيْرَ مُرَتَّبٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ الرِّجْلَ مَغْسُولَةٌ مَعْطُوفَةٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى الْأَيْدِي، وَأَنَّ تَقْدِيرَهَا : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ تَرْتِيبَ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا النِّظَامِ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ تَرْتِيبُ الْمَعْنَى.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ فِي نَسَقِهَا :﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾ وَهَذَا الْفَصْلُ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ : أَحَدُهُمَا : نَفْيُهُ الْحَرَجَ، وَهُوَ الضِّيقُ فِيمَا تَعَبَّدَنَا بِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَفِي إيجَابِ التَّرْتِيبِ إثْبَاتٌ لِلْحَرَجِ وَنَفْيُ التَّوْسِعَةِ.
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ :﴿ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ مُرَادَهُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَوُجُودُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ التَّرْتِيبِ كَهُوَ مَعَ وُجُودِهِ ؛ إذْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى الْغَسْلَ.
فَإِنْ قِيلَ عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ : نَحْنُ نُسَلِّمُ لَك أَنَّ ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، وَلَكِنَّ الْآيَةَ قَدْ اقْتَضَتْ إيجَابَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى :{ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ