وَاجِبًا، لِقَوْلِهِ :( هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً إلَّا بِهِ ).
قِيلَ لَهُ : لَوْ قَبِلْنَا ذَلِكَ وَقُلْنَا مَعَ ذَلِكَ إنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي وُجُوبَ فِعْلِهِ عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ إلَيْهِ مِنْ عَدَمِ تَرْتِيبِ الْفِعْلِ لَكُنَّا أَجَزْنَاهُ مُرَتَّبًا بِدَلَالَةٍ تُسْقِطُ سُؤَالَك، وَلَكُنَّا نَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ :( هَذَا وُضُوءُ ) إنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْغَسْلِ دُونَ التَّرْتِيبِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ فِيهِ مَدْخَلٌ.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الصَّفَا وَقَالَ :﴿ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ﴾ وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ بِهِ وَاللَّفْظِ جَمِيعًا.
قِيلَ لَهُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تُوجِبُهُ لَمَا احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِ الْحَاضِرِينَ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَيْفَ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ مِنْ التَّبْدِئَةِ بِالصَّفَا، وَإِخْبَارُهُ عَمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبًا، كَمَا أَنَّ فِعْلَهُ لَا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ ؛ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى الْإِيجَابَ لَكَانَ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ وَفِعْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ﴾ إخْبَارٌ بِأَنَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مَبْدُوٌّ بِهِ فِي الْمَعْنَى، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ :﴿ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ ﴾ إنَّمَا أَرَادَ التَّبْدِئَةَ بِهِ فِي الْفِعْلِ، فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ إخْبَارًا بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ بَدَأَ بِهِ فِي الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ بِهِ فِي اللَّفْظِ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنَنْت، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : نَبْدَأُ بِالْفِعْلِ فِيمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي اللَّفْظِ، فَيَكُونُ كَلَامًا صَحِيحًا مُفِيدًا.
وَأَيْضًا لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا أَنْ


الصفحة التالية
Icon