الْمَاءِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْمَرِيضِ مَعَ ذِكْرِ عَدَمِ الْمَاءِ فَائِدَةٌ ؛ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْمَرَضِ فِي إبَاحَةِ التَّيَمُّمِ وَلَا مَنْعِهِ ؛ إذْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِعَدَمِ الْمَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا جَازَ أَنْ يُذْكَرَ حَالُ السَّفَرِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ مُتَعَلِّقًا بِعَدَمِ الْمَاءِ دُونَ السَّفَرِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ لَمَا أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ تَكُونَ إبَاحَةُ التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ مَوْقُوفَةً عَلَى حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا ذَكَرَ الْمُسَافِرَ لِأَنَّ الْمَاءَ إنَّمَا يُعْدَمُ فِي السَّفَرِ فِي الْأَعَمِّ الْأَكْثَرِ، فَإِنَّمَا ذُكِرَ السَّفَرُ إبَانَةً عَنْ الْحَالِ الَّتِي يُعْدَمُ الْمَاءُ فِيهَا فِي الْأَعَمِّ الْأَكْثَرِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ حَتَّى يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ ﴾ وَلَيْسَ الْمَقْصِدُ فِيهِ أَنْ يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ فَحَسْبُ لِأَنَّهُ لَوْ آوَاهُ بَيْتٌ أَوْ دَارٌ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بُلُوغُ حَالِ الِاسْتِحْكَامِ وَامْتِنَاعِ إسْرَاعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ وَإِيوَاءِ الْحِرْزِ، لِأَنَّ الْجَرِينَ الَّذِي يَأْوِيهِ حِرْزٌ وَكَمَا قَالَ :﴿ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ ﴾ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وُجُودَ الْمَخَاضِ بِأُمِّهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَصَارَتْ فِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَ بِأُمِّهَا مَخَاضٌ فِي الْأَعَمِّ الْأَكْثَرِ، فَكَانَ فَائِدَةُ ذِكْرِ الْمُسَافِرِ مَعَ شَرْطِ عَدَمِ الْمَاءِ مَا وَصَفْنَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرِيضُ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِعَدَمِ الْمَاءِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ مَا يَلْحَقُ مِنْ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ.
وَعُمُومُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ فِي كُلِّ حَالٍ لَوْلَا مَا رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ وَاتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَا يُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ :


الصفحة التالية
Icon