لِلْجِنْسِ، فَاسْتَوْعَبَ بِذَلِكَ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى خَمْرًا، فَانْتَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِهِمَا مُسَمًّى بِاسْمِ الْخَمْرِ.
وَاقْتَضَى هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، وَهُوَ عَلَى أَوَّلِ الْخَارِجِ مِنْهُمَا مِمَّا يُسْكِرُ مِنْهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْعَصِيرُ النِّيُّ الْمُشْتَدُّ وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ قَبْلَ أَنْ تُغَيِّرَهُ النَّارُ لِأَنَّ قَوْلَهُ :" مِنْهُمَا " يَقْتَضِي أَوَّلَ خَارِجٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُسْكِرُ.
وَاَلَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْخَمْرِ هُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ النِّيّ الْمُشْتَدِّ إذَا غَلَا وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، فَيَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْخَمْرُ مَا وَصَفْنَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ ﴾ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا مِنْ إحْدَاهُمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ﴾ وَإِنَّمَا الرُّسُلُ مِنْ الْإِنْسِ، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ مَا عَدَاهَا لَيْسَ بِخَمْرٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْتَحِلَّ مَا سِوَاهَا مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِسِمَةِ الْكُفْرِ، فَلَوْ كَانَتْ خَمْرًا لَكَانَ مُسْتَحِلُّهَا كَافِرًا خَارِجًا عَنْ الْمِلَّةِ كَمُسْتَحِلِّ النِّيّ الْمُشْتَدِّ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا وَصَفْنَا.
وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْوَرَعِ إلَّا تَشَدُّدَهُ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ دُونَ التَّوَرُّعِ عَنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَأَكْلِ السُّحْتِ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ عَنْ رَسُولِ