الْمَوْضِعِ بُحُورَ الْمِيَاهِ وَجَعَلَهُ عَلَى مَا اتَّسَعَ مِنْ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي مَا اتَّسَعَ بَحْرًا، وَمِنْهُ ﴿ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَرَسِ الَّذِي رَكِبَهُ لِأَبِي طَلْحَةَ : وَجَدْنَاهُ بَحْرًا ﴾ أَيْ وَاسِعَ الْخَطْوِ.
وَقَدْ رَوَى حَبِيبٌ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَحْرِ الْأَمْصَارَ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْأَمْصَارَ الْبَحْرَ.
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ قَالَ :( الْبَرُّ الْفَيَافِيُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، وَالْبَحْرُ الْقُرَى ).
وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَحْرُ الْمَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْبَرَّ وَلَا الْأَمْصَارَ ؛ لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ﴾ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ قَالُوا مَنْفَعَةٌ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هَلْ اقْتَضَى قَوْلُهُ :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾ إبَاحَةَ صَيْدِ الْأَنْهَارِ ؟ قِيلَ لَهُ : نَعَمْ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي النَّهْرَ بَحْرًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى الْبَحْرِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَاؤُهُ مِلْحًا، إلَّا أَنَّهُ إذَا جَرَى ذِكْرُهُ عَلَى طَرِيقِ الْجُمْلَةِ انْتَظَمَ الْأَنْهَارَ أَيْضًا.
وَأَيْضًا فَالْمَقْصَدُ فِيهِ صَيْدُ الْمَاءِ، فَسَائِرُ حَيَوَانِ الْمَاءِ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهُ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾ يَحْتَجُّ بِهِ مِنْ يُبِيحُ أَكَلَ جَمِيعِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ ؛ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي


الصفحة التالية
Icon